الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أي غدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وقيل علم للجنة.{فلمّا رأوْها} أول ما رأوها. {قالواْ إِنّا لضالُّون} طريق جنتنا وما هي بها.{بلْ نحْنُ} أي بعد ما تأملوه وعرفوا أنها هي قالوا {بلْ نحْنُ} {محْرُومُون} حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا.{قال أوْسطُهُمْ} رأيا، أو سنا. {ألمْ أقُلْ لّكُمْ لوْلا تُسبّحُون} لولا تذكرونه وتتوبون إليه من خبث نيتكم، وقد قاله حينما عزموا على ذلك ويدل على هذا المعنى.{قالواْ سبحان ربّنا إِنّا كُنّا ظالمين} أي لولا تستثنون فسمي الاستثناء تسبيحا لتشاركهما في التعظيم، أو لأنه تنزيه على أن يجري في ملكه ما لا يريده.{فأقْبل بعْضُهُمْ على بعْضٍ يتلاومون} يلوم بعضهم بعضا فإن منهم من أشار بذلك ومنهم من استصوبه، ومنهم من سكت راضيا، ومنهم من أنكره.{قالواْ ياويلنا إِنّا كُنّا طاغين} متجاوزين حدود الله تعالى.{عسى ربُّنا أن يُبْدِلنا خيْرا مّنْها} ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة. وقد روي أنهم أبدلوا خيرا منها وقرئ {يُبْدِلنا} بالتخفيف. {إِنّا إلى ربّنا راغبون} راجون العفو طالبون الخير و{إلى} لانتهاء الرغبة، أو لتضمنها معنى الرجوع.{كذلِك العذاب} مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة العذاب في الدنيا. {ولعذابُ الآخرة أكْبرُ} أعظم منه. {لوْ كانُواْ يعْلمُون} لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب.{إِنّ لّلْمُتّقِين عِنْد ربّهِمْ} أي في الآخرة، أو في جوار القدس. {جنات النعيم} جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص.{أفنجْعلُ المسلمين كالمجرمين} إنكار لقول الكفرة، فإنهم كانوا يقولون: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا.{ما لكُمْ كيْف تحْكُمُون} التفات فيه تعجب من حكمهم واستبعاد له، وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي.{أمْ لكُمْ كتاب} من السماء. {فِيهِ تدْرُسُون} تقرأون.{إِنّ لكُمْ فِيهِ لما تخيّرُون} إن لكم ما تختارونه وتشتهونه، وأصله (أن لكم) بالفتح لأنه المدروس فلما جيء باللام كسرت، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس أو استئنافا وتخير الشيء واختاره أخذ خيره.{أمْ لكُمْ أيمان عليْنا} عهود مؤكدة بالإِيمان. {بالغة} متناهية في التوكيد، وقرئت بالنصب على الحال والعامل فيها أحد الظرفين. {إلى يوْمِ القيامة} متعلق بالمقدر في {لكُمْ} أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم، أو ب {بالغة} أي أيمان تبلغ ذلك اليوم. {إِنّ لكُمْ لما تحْكُمُون} جواب القسم لأن معنى {أم لكم أيمان علينا} أم أقسمنا لكم.{سلْهُمْ أيُّهُم بذلك زعِيمٌ} بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه.{أمْ لهُمْ شُركاء} يشاركونهم في هذا القول. {فلْيأتُواْ بِشُركائِهِمْ إِن كانُواْ صادقين} في دعواهم إذ لا أقل من التقليد، وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتشبثوا به من عقل أو نقل يدل عليه الاستحقاق أو وعد أو محض تقليد، على الترتيب تنبيها على مراتب النظر وتزييفا لما لا سند له. وقيل المعنى {أمْ لهُمْ شُركاء} يعني الأصنام يجعلونهم مثل المؤمنين في الآخرة كأنه لما نفى أن تكون التسوية من الله تعالى نفى بهذا أن تكون مما يشاركون الله به.{يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ} يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب. قال حاتم: أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا مستعار من ساق الشجر وساق الإِنسان، وتنكيره للتهويل أو للتعظيم. وقرئ {تكشف} و{تكشف} بالتاء على بناء الفاعل أو المفعول والفعل للساعة أو الحال. {ويُدْعوْن إِلى السجود} توبيخا على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة، أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع. {فلا يسْتطِيعُون} لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه.{خاشعة أبصارهم ترْهقُهُمْ ذِلّةٌ} تلحقهم ذلة. {وقدْ كانُواْ يُدْعوْن إِلى السجود} في الدنيا أو زمان الصحة. {وهُمْ سالمون} متمكنون منه مزاحو العلل فيه.{فذرْنِى ومن يُكذّبُ بهذا الحديث} كله إِليّ فإني أكفيكه. {سنسْتدْرِجُهُم} سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإِمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة. {مّنْ حيْثُ لا يعْلمُون} أنه استدراج وهو الإِنعام عليهم لأنهم حسبوه تفضيلا لهم على المؤمنين.{وأُمْلِى لهُمْ} وأمهلهم. {إِنّ كيْدِى متِينٌ} لا يدفع بشيء، وإنما سمي إنعامه استدراجا بالكيد لأنه في صورته.{أمْ تسْئلُهُمْ أجْرا} على الإِرشاد. {فهُم مّن مّغْرمٍ} من غرامة. {مُّثْقلُون} يحملها فيعرضون عنك.{أمْ عِندهُمُ الغيب} اللوح أو المغيبات. {فهُمْ يكْتُبُون} منه ما يحكمون به ويستغنون به عن علمك.{فاصبر لِحُكْمِ ربّك} وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم. {ولا تكُن كصاحب الحوت} يونس عليه الصلاة والسلام. {إِذْ نادى} في بطن الحوت. {وهُو مكْظُومٌ} مملوء غيظا من الضجر فتبتلي ببلائه.{لّوْلا أن تداركهُ نِعْمةٌ مّن رّبّهِ} يعني التوفيق للتوبة وقبولها وحسن تذكير الفعل للفصل، وقرئ {تداركته} و{تداركه} أي تتداركه على حكاية الحال الماضية بمعنى لولا كان يقال فيه تتداركه. {لنُبِذ بالعراء} بالأرض الخالية عن الأشجار. {وهُو مذْمُومٌ} مليم مطرود عن الرحمة والكرامة. وهو حال يعتمد عليها الجواب لأنها المنفية دون النبذ.{فاجتباه ربُّهُ} بأن رد الوحي إليه، أو استنبأه إن صح أنه لم يكن نبيا قبل هذه الواقعة. {فجعلهُ مِن الصالحين} من الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل ما تركه أولى، وفيه دليل على خلق الأفعال والآية نزلت حين هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف، وقيل بأحد حين حل به ما حل فأراد أن يدعو على المنهزمين.{وإِن يكادُ الذين كفرُواْ ليُزْلِقُونك بأبصارهم} {إن} هي المخففة واللام دليلها والمعنى: إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك، أو يهلكونك من قولهم نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني، أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله، أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين. إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون، فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. وفي الحديث: «إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر» ولعله يكون من خصائص بعض النفوس. وقرأ نافع {ليُزْلِقُونك} من زلقته فزلق كحزنته فحزن، وقرئ {ليزهقونك} أي ليهلكونك. {لمّا سمِعُواْ الذكر} أي القرآن أي ينبعث عند سماعه بغضهم وحسدهم. {ويقولون إِنّهُ لمجْنُونٌ} حيرة في أمره وتنفيرا عنه.{وما هُو إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعالمِين} لما جننوه لأجل القرآن بين أنه ذكر عام لا يدركه ولا يتعاطاه إلا من كان أكمل الناس عقلا وأميزهم رأيا.عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القلم أعطاه الله ثواب الذين حسن الله أخلاقهم».
|